26 جانفي 1997، عندما انتصرت المرأة على السّيف - Radio M

Radio M

26 جانفي 1997، عندما انتصرت المرأة على السّيف

Radio M | 26/01/21 21:01

26 جانفي 1997، عندما انتصرت المرأة على السّيف

بقلم: عزيز حمدي

“…لماذا أنت خائفة يا أمي؟ صحيح أن الإرهابيين يهددوننا بالموت إذا واصلنا الذهاب الى المدرسة؟ ولكن يا أمي إذا ما مات بناتك مقتولات، لأنهن اخترن طريق المعرفة، سنصبح شهيدات العلم، لن تخجلي بنا يا ماما، إرفعي رأسك و حافظي عليه عاليا…”

كان آخر ما تلفظت به امال زانون لأمها خالتي حورية رحمهما الله، في ليلة غاب شبح النوم على الأم وابنتها ذات يوم من شهر جانفي سنة 1997، قبل أن تغادر المنزل للمرة الأخيرة وكالعادة نحو العاصمة أين كانت تزاول دراستها في جامعة الجزائر بكلية الحقوق، هل كانت أمال تدرك وعلى علم أن هذه الجامعة سوف تكون السبب في مقتلها؟ الجواب هو نعم.

 لم تكن كلمات أمال وداعا بقدر ما كانت مواساة لأمها قبل فراقها بعد أسبوع بالتحديد يوم الـ 26 من شهر جانفي من عام 1997، كان الأسبوع يوشك على نهايته في اليوم السابع عشر من شهر رمضان، يوم له رمزية عند المسلمين (يوم بدر) يستغله جنود الله للتقرب منه بذبح من يرونهم كفارا وطواغيت.

أمال تعود إلى منزلها لقضاء عطلة نهاية الاسبوع بين أهلها قبل لحظات من الإفطار تقع الحافلة التي استقلتها في كمين مغيري الأقدار، يصعد أحدهم الى الحافلة و يتقدم نحوها يلمس أمال في كتفها طالبا منها النزول، تتحرك أمال وبكل هدوء توافق على النزول بعدما فهمت القصة، لم تمر سوى لحظات قبل أن يقوم أحدهم بسن سكينه على حجرة أمام أنظارها، سكين يخفيه عن الشاة قبل نحرها و يشهرونه عند ذبح البشر، نعم صوت السكين عالي عجوز تصرخ بصوت عالي من شدة الخوف، تذبح أمال بكل برودة أعصاب أمام الجميع مشيرا بعبارات قاسية متوعداً: “..هذا جزاء كل من تتجرأ و تذهب الى الجامعة…”

 في 22 من عمرها، لم يكن مُقدٌرًا لأمال أن تموت، بل تعمّد هؤلاء المجرمون تغيير قدرها مطفئين نجمة كانت لتنير سماء الجزائر المظلمة بظلامهم لتلتحق بـ “نبيلة جحنين” و”كاتية بن غانة” والقائمة طويلة، حرائر الجزائر اللواتي رفضن الرضوخ لتهديدات الظلاميين بلبس الحجاب والتوقف عن الدراسة وغيرها من المطالب التي من شأنها القضاء على الجزائر.

 اليوم بعد أربعة وعشرين سنة من يبكي أمال؟ أهلها؟ أصدقاءها؟ الجيل الجديد؟ أو المرأة التي تعاني في صمت، المرأة التي تمنع من العمل من اختيار زوجها؟ المرأة التي تتردد في الخروج في شوارع مدننا منفردة المرأة التي تضرب وتهان إذ ما رضخت لرغبة من يحسب نفسه سيد عليها.

تمضي السنوات وتتجدد الذكرى ويبقى السؤال ما كان مصير قاتل أمال؟ هل مات هو أيضا؟ أم مسّه عفو المصالحة الوطنية؟ هل هو يطلب الغفران من روح أمال في كل ليلة؟ أم يتمنى أن يقتل المزيد من أمثالها؟ قد تكون أمال والمئات من أمثالها قد كسرن حجاب الخوف، وأنرن ليل الجزائر التي تأخر شروق شمسها، هل يعترف جزائري عصر الفاسبوك بتضحياتهن باستشهادهن؟ أو يصنفهن في قائمة المتهورات الخارجات عن الطاعة؟

                     المجد والخلود لشهيدات الحرية