لماذا يجبُ حماية مكانة رشاد في الحَراك (مُدوّنة إحسان القاضي) - Radio M

Radio M

لماذا يجبُ حماية مكانة رشاد في الحَراك (مُدوّنة إحسان القاضي)

Radio M | 29/03/21 11:03

لماذا يجبُ حماية مكانة رشاد في الحَراك (مُدوّنة إحسان القاضي)

حدثين اثنين كانا بمثابة نقطة تحوّل نهاية الأسبوع الجاري فيما يتعلّق بقضية حركة رشاد في الحراك الشعبي. ثمّ جاءت محكمة بئر مراد رايس لتعزيزها.

ظهور أوّل لافتةٍ معاديةٍ علنيًا لـ رشاد يوم الجمعة في شوارع الجزائر الوسطى، بعدها الحضور اللّافت لأحد أعضاء الحركة في المقرّ الأسطوري الشيوعي للحركة الديمقراطية الاجتماعية، خلال أيامه المفتوحة. تُعدّ بعيدة كل البعد عن أن تكون حقائق غير هامة. إنّ حملة شيطنة رشاد أضرّت بوحدة الحراك السياسية من أجل التغيير الديمقراطي.

قرّرت أخيرًا الحركة الإسلامية المحافظة التفاعل، مُحاولةً إعطاء نفسها وجهًا أكثر اطمئنانا. بدأت أجزاء من الحركة الشعبية تتأثر تأثرا كبيرا بالدعاية التي تريد دمج الحراك بـ رشاد، وبالمناسبة حركة الماك. ومن هذا المنطلق، وجود مصطفى قيرة في الأبواب المفتوحة لـ الأمدياس ومقابلته مع الإعلام والحاضرين، تُعتبرُ عملية علاقات عامة جريئة. لن تكون كافيةً لتغيير حركة الاستقطاب التي بدأت منذ جوان 2020 في ساحة الجمهورية بباريس. إلا أنها تجلب أرض خصبة جديدة في نهج الحل السياسي.

منع الجبهة الموحّدة

الشرطة السياسية الجزائرية منشغلة ذهنيًا بالتسعينيات، وترى أن أيّ تنازل عن الحريات سيكون سابقة فتاكة – كان شادلي وحمروش مغامرين في ضوء هذه القراءة- وأيّ اتحاد لتيارات الحراك حول نفس خريطة الطريق السياسية، يُشكّل خطرا على جدول أعمال إعادة الاقتراع المقيّد.

الطرفين الثابتين منذ 22 فيفري 2019 لتأجيج النار التصالحية هما الحرمان من الحريات و تشويه صورة أحد التيارات الموجودة في الحراك بهدف منع الوحدة السياسية للحراك في أجندة التغيير بأي ثمن كان قبل العملية الانتخابية. فإضافةً إلى صدمة انتخابات 26 ديسمبر 1991، تضاف لذاكرة المسؤولين، صدمة عقد روما شهر جانفي 1995.

ذلك العرض السياسي من المعارضة بأكملها، بما في ذلك الإسلاميين المتطرفين، ووضع حد للتمرد الجهادي ومكافحة الإرهاب. الآن وبعد أن أصبحت آلة قمع الحريات تعمل بأقصى سرعة، باتت الأولوية في منع الوصول إلى توافق داخل الحراك بشأن سير العملية الانتقالية التي ستحقق التغيير. وبالتالي، لا انفتاح ولا جبهة سياسية للمعارضين والحراك.

مشكلة أم حل؟

وفي هذا السياق، تبدو أنّ مذكّرة أمر التوقيف الدولي الصادرة يوم الاثنين 22 مارس عن محكمة بير مراد رايس ضد أربعة يوتوبرز معارضين، أحدهم “العربي زيتوت” عضو في رشاد، يبدو بشكل صارخ أنه الملاذ الأخير لمحاولة تفجير تعايش جميع الأطراف الفاعلة في الحراك من خلال حركة سلمية. ويتمثل الهدف في جعل الجبهة السياسية الشاملة مستحيلة في الحراك ودعواته بالقطيعة.

الأدهى والأمر، أن يُضاف إلى مقطع “المؤامرة” قنّاص مثل هشام عبود نقيض الحركة الإسلامية، ذلك يعدّ ضربة إلى وحدة الحراك التي واجهت صعوبات في الأسابيع الأخيرة.

وتُقدّم رشاد من طرف إدارة الأمن الداخلي وأجنحتها العضوية والعرضية، ولكن أيضًا بشكل حدسي من قبل جزء من الحراك، كعامل عائق في حلّ المطالب الشعبية والانخراط في تحول ديمقراطي “توافقي” مع القوة العسكرية. ومُنفّر، بنفس الطريقة التي كانت عليها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، مع خطر تسليم الجمهورية إلى السلفيين بعبارات لا تختلف عن تلك الواردة في أحداث 1989-92.

وقد استغرق هذا الخيار الدعائي القوي وقتا طويلا جدا لكي يتبلور. اليوم أصبحت نتائجه الأولى واضحة للعيان، ويمكن لهذا الخيار أن يشكّل بداية زرع للفتنة في الحراك، التي وقع فيها حتى الساسة المتمرّسون. ويُمكن للاحتقان القائم في الأيام الماضية أن يكون مصدر إلهام لمخرج من القمة. ماذا لو قلب الحراك الشعبي ونخبته المعادلة الأمنية بسياسة أخرى: رشاد جزء من حلّ الحراك وليس جزء من المشكلة.

العربي زيتوت ومراد دهينة

لنكن واضحين ! ما يُزعج النظام السياسي الجزائري ليس التيار السلفي السياسي، بل موقفه من التغيير الديمقراطي.

مدني مرزاق الأمير السابق في الجيش الإسلامي للإنقاذ ومن “كبار الشخصيات” في الرئاسة، إضافةً إلى أمراء الجبهة الإسلامية للإنقاذ السابقين مثل علي جدي وعبد القادر بوخمخم، الذين دعموا العملية الانتخابية في 12 ديسمبر 2019، فُتحت لهم الأبواب من طرف المسؤولين.

ومن هذا المنطلق، رشاد مزعزعة بشكل أكبر للبرامج الأمنية التي تهيمن على الفكر السياسي في الجزائر العاصمة. هي ليست سلفية ــ لذا فهي أقل خوفا بالنسبة للجزائريين الذين حرروا من هذا التنوير المليوني ــ وهي تؤيد التغيير الديمقراطي بكل قوانينه. إن النسب السياسية لـ رشاد ليست خطية. وهي ليست الببغاء المتنكر لـ الجبهة الإسلامية للإنقاذ.

بالتأكيد هناك تأثير إسلامي للجبهة الإسلامية للإنقاذ سابقاً، لكنّه يتعلق أكثر بتيار الجزأرة إلى المسار العقائدي المختلف عن التيار الجهادي السلفي الذي استقر في ذروته الطرفين عباسي مدني وعلي بلحاج، وهو يتعايش مع ثقافة انشقاق المسؤولين الجزائريين والعربي زيتوت.

كما يوجد منشقون عن أحزاب معارضة غير إسلامية أخرى داخل حركة رشاد، وتُبلوِر الحركة الطابع الراديكالي ليس لأي فكر سلفي، بل لجزء من الجالية التي غادرت الجزائر خلال التسعينات أو في نهايتها، والتي تنسِب عن حق إلى الجيش والنظام الاستبدادي مسؤولية هجرتها.

تسعى رشاد بانتظام لتبرئة نفسها من الانتماء للجبهة الإسلامية للإنقاذ الذي يحاول خصومها الأيديولوجيون إعادتها إليها. يقدم زعيمها الرمزي مراد دهينة ميزة لهذا الاستيعاب. ويجسد هذا المهندس الذي يعيش في سويسرا كلّ تعقيدات حركته.

ويحمل مثل الصّليب مقولةً ينكر فيها حق غالبية الجزائريين في اعتبار “شهداء الجزائر” ضحايا الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت المثقفين “بإنهم شهداءهم”. كان من المقربين من حسين أيت أحمد وهو على قيد الحياة، فهو رغم ذلك أحد الشخصيات ذات الخطاب المناصر للديمقراطية، والأكثر انفتاحا على التحالفات السياسية.

وعموما، فإن ثقافة سيادة القانون والحريات المدنية ليست ستارا عند رشاد. جيل الناشطين في المهجر الذين أسسوها في منتصف القرن الحادي والعشرين، عاشوا لسنوات عديدة في سياق دولة ديمقراطية. وهي حساسة لحماية سيادة القانون، وتستعمل دون أي تعقيد العناصر اللغوية للثورات الديمقراطية في أوروبا الشرقية.

وهذا يجعل من رشاد حركة متنوعة العناصر ومعقدة، وهي الحركة التي بدأت بين رسم الحزب المحافظ الشعبوي الذي يتمتع بخطاب ديمقراطي وجنين حزب إسلامي إصلاحي على غرار حزب النهضة في تونس.

ثغرة يجبُ سدّها

بدأت أزمة الإسلام السياسي تُلوّح في الأفق منذ 22 فيفري. واحتل الشارع تقريبًا بمفرده في أكتوبر 1988، اعتبارًا من يوم الجمعة 07.

الحراك، وتسامحه مع تنوعه، يبيّن إلى أي مدى وصل المجتمع الجزائري. التيارات الأخرى التي تشكلت في الأحزاب السياسية ليست أفضل بطبيعة الحال، ولكن يمكن أن تعتبر نفسها ممثلة في الواقع، لا سيما قوى البديل الديمقراطي.

لا وجود للأحزاب الإسلامية الجزائرية بصفة رسمية في الحراك. فقد تلاشى هؤلاء إما تحت عار أخلاقي بسبب ارتباطهم بالجهاد في التسعينيات، أو شاركوا في البوتفليقية قبل أن يصبحوا معارضين غامضين ومتخفيين في بداية الحراك (حركة الإصلاح، حمس). كان على رشاد أن تملأ هذه الفجوة قبل عامين.

وقد عملت الشرطة السياسية جاهدة لضمان عدم تحقيق ذلك. إن مسألة مشاركة رشاد في مختلف المبادرات التي اتخذت على مدى السنتين الماضيتين لترجمة مطالب الحركة الشعبية سياسيا قد واجهت بانتظام عقبتين اثنتين: الأولى تأتي من ضعف الإطار السياسي لرشاد في الجزائر ووضعها شبه السري المرتبط بها ؛ ويعزى السبب الثاني إلى صورتها المشوهة وعجزها عن “تبييضها” لا سيما من خلال التعبير عن الحد الأدنى من التعاطف مع ضحايا الإرهاب والاعتراف بالانجراف الدموي للجهاديين.

ونتيجة لذلك ، ظلت رشاد على هامش محاولات بناء خارطة طريق سياسية توافقية في الجزائر. تم دعوة كمال غمازي من الجبهة الإسلامية للإنقاذ السابق لحضور الاجتماع الاستشاري لسافاكس في 24 أوت 2019 ، ولا أحد من رشاد.

أيضًا ، من بين العديد من شخصيات الحراك الذين أيدوا بيان نداء 22 ، لم يكن هناك مسؤول معروف عن رشاد في أكتوبر الماضي، حتى لو كان الموقعون بين الحراكيين في الولايات، معروفون بقربهم من رشاد.

هذا الإقصاء الفعلي لرشاد من ميدان العمل السياسي العام إشكالية في بناء حل يعكس الإرادة السياسية للحركة الشعبية، ليس لأن حركة رشاد حتمية تمامًا ، فهناك حاجة ماسة لها، ولكن لأن التيار الرئيسي في المجتمع الذي ترتبط به لا يمثله في الواقع كوادر منظمة إسلامية أو محافظة أخرى.

بين المبالغة في نفوذه من قِبَل الأجهزة الأمنية وفشل التيار الإسلامي في المنطقة المجاورة للحراك، أصبحت رشاد لاعباً مهماً من قِبَل البعض. على الرغم من حجمها النضالي المتواضع. غير أن اندماجها في إنتاج عرض سياسي حراكي لا يزال حساسا.

وحدة الحراك الإستراتيجية

إن الاتهام المقصود بـ “الارتباط بالإرهاب” الذي يريد الجهاز الأمني ​​ربطه برشاد يستهدف وحدة المسيرات الشعبية وامتدادها إلى مجال التحالفات السياسية. رشاد هو أول من وضع وحدة الحراك في طليعة تفكيره الإستراتيجي. حاولت أن تُبعد زمام القيادة خارج نطاقها بترك أحد قادتها، أي العربي زيتوت الذي دعا وحده من لندن لاستئناف المسيرات مرتين في صيف 2020.

وهاجم بعنف الحراكيين الذين يخالفونه الرؤى، وساند حملة تشويه طالت الناشط سمير بن العربي ومارس ضغوطاً مستمرة على الجناح المحافظ في نداء 22 لإجهاض عملية نقاش مفتوحة لجميع التيارات.

هذه التجاوزات، التي تتسم في بعض الأحيان بالهيمنة الجوهرية، ليست بالضرورة خطاً سياسياً تتبناه قيادته، وليست خياراً متعمداً. إن أسلوب ممارسة السياسة مع يوتوبر كثيرا ما يكون منفصلا في المهجر مع الواقع في البلاد ، يمكن أن يؤدي إلى خيوط كاذبة. ويبقى أن رشاد لم تتمكن من إبراز قيادة سياسية في الجزائر يمكن أن تترجم رغبتها المعلنة في البقاء، على احترام الخلافات والوحدة في العمل مع جميع التيارات الأخرى الموجودة في الحراك.

ربما لم يفت الأون بعد، فالزيارة التي قام بها مصطفى قيرة إلى مقر الأمدياس في أبوابه المفتوحة تعزز فكرة أن وحدة الحراك أصبحت مرة أخرى أولوية لدى هذا التيار. ويبقى بعد ذلك أن تدمج الحساسيات السياسية للمواطنين الآخرين في المسيرات الشعبية أيضا هذا الوعي بضرورة الوحدة. من المستفيد من تشويه صورة رشاد ؟ وهل سيكون هذا هو التحدي السياسي الذي سيواجهه الحراك في الأسابيع المقبلة.

الشكّ تسلّل إلى الداخل واستيقظت شياطين التسعينيات. إن محاولة تجريم حركة رشاد، بأي ثمن، غايتها جعل حراك عام 2021 يبدو وكأنه الضربة التمردية التي شنتها الجبهة الإسلامية للإنقاذ في ماي/جوان 1991. ويهدف ذلك إلى تخويف الطبقات المتوسطة الأقل انخراطا في المسيرات منذ استئنافها في 22 فيفري، وعزل الأطراف الشعبية من أجل قمعها بشكل أكبر.

وحتى لو كانت قوة الحشد القوية تُصعّب على الحكم سيناريو القمع الانقسامي، فإنّ اتهامات المسؤولين ضد رشاد يمكن أن يقطع الطريق أمام أي عرض سياسي شامل، كما حدث في فندق مازافران سنة 2014، أين أظهر الفاعلون في الحراك والمعارضة السياسية دون إقصاء، في مبادرة واحدة، الطريق لتغيير القواعد المؤسسية.

إن حماية مكان رشاد في الحراك تصبح من هذا المنطلق أساسية، بما في ذلك، وبنفس القدر من الأهمية، بالنسبة لخصومه السياسيين المستقبليين، وعندما يحين الوقت للمنافسة الحرة والمنتظمة في البرامج السياسية.