كواليس محاكمة تاريخية لـ سعيد بودور: صحفي "قال الحقيقة فوجد نفسه خلف القضبان" - Radio M

Radio M

كواليس محاكمة تاريخية لـ سعيد بودور: صحفي “قال الحقيقة فوجد نفسه خلف القضبان”

كنزة خاطو | 11/03/21 21:03

كواليس محاكمة تاريخية لـ سعيد بودور: صحفي “قال الحقيقة فوجد نفسه خلف القضبان”

تغطية: كنزة خاطو

الأربعاء 10 مارس 2020، شهدت محكمة “فلاوسن” بالباهية وهران، محاكمة صحفي حرّ وعضو في الرابطة الوطنية لحقوق الإنسان، متابعٌ كان بنفس التهم التقليدية الموجّهة لنشطاء الحراك.

ولأنّ الصحافة ليست جريمة وحرية التعبير حق يكفله الدستور، تنقّلت لجنة الدفاع عن معتقلي الرأي إلى جانب صحفيين إلى وهران، من أجل مساندة سعيد بودور “مُفجّر قضية كوكايين وهران” وعدّة قضايا أخرى متعلّقة بالفساد وحقوق الإنسان.

“الحراك” يلتقي أمام محكمة “فلاوسن”

كانت الساعة تُشير إلى منتصف النهار، أمام محكمة فلاوسن بوهران صحفيين وصلوا قادمين من العاصمة لمساندة زميلهم الصحفي سعيد بودور، وتغطية جلسة محاكمته إلى جانب المبلغ عن الفساد نورالدين تونسي.

خارج أسوار المحكمة، يوسف شقيق السعيد بودور وزوجة نورالدين تونسي ينتظران إلى جانب حراكيين ونشطاء حقوقيين ومبلّغين عن الفساد وأصدقاء المتهمين.

محامون أعضاء لجنة الدفاع عن معتقلي الرأي يصلون واحدا تلو الآخر إلى المحكمة، يتبادلون الحديث مع المتضامنين ويبعثون رسائل أمل واطمئنان بعد اطّلاعهم على الملف القضائي لـ السعيد بودور الصحفي ونورالدين تونسي المبلّغ عن الفساد.

في حدود الساعة الواحدة زوالا، سُمح للصحفيين والمحامين فقط بلوج قاعة الجلسات في الطابق الثاني لمحكمة فلاوسن، ومُنع الآخرون من الدخول بسبب إجراءات التباعد الاجتماعي التي فرضها الوباء العالمي كوفيد-19.

نقاشٌ في القانون ..السياسة والحراك يُفتح في بهو المحكمة

الصحافة وأصحاب الجبة السوداء، يتبادلون أطراف الحديث في بهو المحكمة حول الملف القضائي ويتساءلون عن الموعد الزمني للجلسة.

نشطاء وحقوقيون وصحفيون من مختلف ولايات الوطن، عبر مواقع التواصل الاجتماعي والهاتف، أيضًا لم يكفّوا عن الاستفسار حول تطورات المحاكمة وعدد المحامين الذين قدموا لوهران ومضمون الملف القضائي.

طال الحديث في بهو المحكمة، حديث عن الحريات والقوانين، الحراك والمسيرات الشعبية، المشهد السياسي وآخر مستجدات الساحة الوطنية، ونقاشات تُفتح هنا وهناك.

التهم المنسوبة لـ سعيد بودور ونورالدين تونسي:

دفاع الطرف المدني لا يقول شيئاً ويحضّر لطلب التأجيل

داخل قاعة الجلسات، وعن طريق السكايب محاكمات تلو الأخرى منها الجنايات والجنح، إجراءات المثول الفوري، وقضايا مُتشعّبة.

في الصفّ الأوّل للقاعة تجلس هيئة دفاع الطرف المدني في قضية سعيد بودور، لا تقول شيئا وتنتظر هي الأخرى.

في كواليس المحكمة، عرفت الصحافة عن طريق محامي بودور وتونسي أنّ الطرف المدني في القضية سيطالب التأجيل.

وهكذا مرّت الساعات إلى أن نادى رئيس الجلسة على الصحفي والمدافع عن حقوق الإنسان سعيد بودور والمبلّغ عن الفساد نورالدين تونسي.

زوجة “تونسي” تُمنع من دخول القاعة والمحامي “عميروش” غاضب !

قبل أن ينادي رئيس الجلسة على المتهمين والضحية، انفعل المحامي عميروش باكوري في قاعة الجلسات، واستفسر عن “الغرابة” التي طبعت المحكمة، وشدّد قائلا: “هذه الامرأة ستدخل القاعة وإلّا لن أسكت”، المحامي كان يشيرُ إلى زوجة على تونسي التي مُنعت من ولوج القاعة. القاضي أكّد بعدها أنّها ستحضر الجلسة بمجرّد بدايتها.

كانت الساعة تُشير إلى الخامسة وثمانية وثلاثون دقيقة مساءً، القاضي نادى على المتهمين.

الطرف المدني يُهدّد بالانسحاب والقاضي يصرّ على المحاكمة

وقفت هيئة الدفاع (لجنة الدفاع عن معتقلي الرأي) وعددها تجاوز الثلاثين محامي ومحامية من مختلف ربوع الوطن، إلى جانبها الطرف المدني.

الطرف المدني بدى حائرا ومنفعلا، طلب من رئيس الجلسة تأجيل المحاكمة، هيئة دفاع بودور وتونسي رفضت، والقاضي شدّد على أن تتم المحاكمة، هدّد الطرف المدني بالمقاطعة والانسحاب إلّا أنّ القاضي أصرّ على العكس.

الطرف المدني يغادر القاعة غاضباً، وزوجة تونسي تفرح ثمّ تنفجر في وجهه: “مازال مازال، مازال ربي يخلّص، ستة أشهر لن تذهب سدى”، أعوان الأمن طلبوا منها الهدوء، تنهّدت ثمّ سكتت.

هيئة الدفاع تودع  إجراءات الدفع بعدم الدستورية القانونية

وجّه القاضي التهم المنسوبة للمتهمين، ثمّ قدّمت هيئة الدفاع إجراءات الدفع بعدم الدستورية القانونية، واستند بذلك المحامي عبد الله هبول والمحامية نبيلة إسماعيل بالمادة 161 الفقرة 2 من قانون العقوبات الجزائية والمادة 171 الجديدة من الدستور.

المحامي هبول شدّد على أنّ ضابط الشرطة القضائية الذي حرر المحضر القضائي لم يكشف عن هويته، إضافة إلى أنّ قرار الإحالة تحت النظر لم يصدر من الضابط الذي قام بسماع المتهم، وعليه طلب إبطال الإجراءات.

كما أكّد المحامي أنّ التفتيش الإلكتروني لحساب الصحفي بودور باطل لأنه لم يصدر من طرف وكيل الجمهورية.

من جهتها المحامية نبيلة إسماعيل، تساءلت عن مصير أمر الإيداع في القضية التي انطلقت جنائية بحق بودور في البداية ثمّ تحوّلت إلى جنحة، مبرزةً أنّ أمر الإيداع غير مؤسس وهناك شقا حقوقيا مهمل تماما في الإجراء.

الساعة تُشير إلى السادسة وأربعة دقائق، رئيس الجلسة يوجّه التهم لـ بودور وتونسي، ويطلب منهما الدفاع عن أنفسهما، لكنّ خللا تقنيا طال الجهاز، استغرق حوالي 10 دقائق قبل أن يقوم بإصلاحه أحد أعوان الأمن بالقاعة.

الصحفي بودور يقدّم مرافعة تاريخية وتونسي يطالب بالحماية !

الصحفي سعيد بودور شرع في الدفاع عن نفسه، لكنّه طلب من رئيس الجلسة قبل الخضوع في حيثيات قضيته، تقديم ثلاثة احتجاجات، سمح له القاضي بذلك.

سعيد بودور للقاضي: أنا هنا أمثل كصحفي ومدافع عن حقوق الإنسان، لدي اليوم ثلاثة احتجاجات قبل بداية المحاكمة، الاحتجاج الأول يتعلّق بظروف الحبس التي لا تصلح حتى للحيوانات، والثاني يتعلّق بظروف المحاكمة غير العادلة، أنا واقف منذ الساعة الخامسة صباحا إلى الآن، أنا جائع..  وهو الحال لعديد الشباب المحبوسين هنا.

بودور يضيف: أبقى مناضلا حتى وأنا داخل السجن، القاضي يقاطع بودور، بودور ينفعل: امنحني 10 دقائق سيدي الرئيس، أنا لم أتكلم منذ 7 أشهر، منعوني عن الكلام.

أمّا الاحتجاج الثالث –يضيف بودور- بلغني وأنا في السجن الاعتداء على المحامي عمر بوصاق في مسيرة بمدينة وهران، الإعتداء عليه إهانة وإهانة المحامي هي إهانة للقاضي.

بعدها تطرّق الصحفي إلى مضمون التهم المنسوبة إليه، مشدّدا أنّ البوليس السياسي دبّر الملف وأخذه للمحكمة.

بنبرة صوتٍ قويّة ومُسترسلا في الكلام، واصل بودور: لماذا أقحم نفسه في السياسة؟ (يقصد قائد الأركان الراحل قايد صالح)، مُعترفا أمام القاضي: “في 15 سبتمبر 2019 استدعى الهيئة الناخبة من الثكنة، قلت له في منشور فايسبوكي أنّه لا يملك الحق في ذلك”.

أضاف بودور: “لا علاقة مباشرة بوزير العدل حتى أهينه”، مواصلا: “اخترت الشعب وقول الحقيقة لهذا أتلقى تهديدات، لا وجود لسيادة القانون لهذا أنا أمامكم اليوم”.

بعد لحظات فقط، يجهش بودور بالبكاء، تذكّر والده المتوفي حديثاً وقال: “توفي والدي ولم أستطع رؤيته، اليوم أحيي ضابط شرطة على موقف إنساني، رآني وأنا أزور والدي بالمشفى وهو على فراش الموت، ضابط الشرطة لم يلقي القبض عليّ يومها”.

الجميع في القاعة تأثّر بكلام ودموع سعيد بودور، بمن فيهم أعوان الأمن والقاضي.

وعن تهمة “الشروع في التهديد بالتشهير” روى بودور قصّته مع الطرف المدني المدعو “قليليش”، وعاد إلى سنة 2008 عندما كتب مقالا صحفيا في جريدة “صوت الغرب” الجهوية بعنوان “مافيا العقار تغتصب عذرية وهران”، تورّط فيها المدعو مع رئيس دائرة السانية ثمّ أودع السجن.

بعد سعيد بودور طالب رئيس الجلسة من المتهم نورالدين تونسي الدفاع عن نفسه.

تونسي قبل أن يشرع في الدفاع عن نفسه أبلغ القاضي أنّه مهدّد بالتصفية الجسدية وهو في المؤسسة العقابية من طرف من أطلق عليهم “العصابة”، لأنّه شاهد على قضيّة “الكوكايين” التي دخلت إلى ميناء وهران، وبلّغ عنها قبل سنة من حدوثها إلى مصالح الدرك الوطني والاستعلامات العامة للشرطة.

وقال تونسي للقاضي أنّه بلّغ الجهازين أنّ نجل عبد الغاني هامل المدير العام للأمن الوطني السابق، قام بإدخال الكوكايين في حاويات اللحم إلى ميناء وهران.

وطلب نورالدين تونسي بالحماية بعد تهديده بالتصفية الجسدية لأنّه شاهد رئيسي في قضية الكوكايين، مشدّدا: “أنا في السجن بسبب العصابة، أنا لم أهدّد أي إنسان”.

دافع تونسي هو الآخر عن نفسه بنبرة صوت قويّة وشجاعة، مؤكّدا أنّ حبسه اليوم بسبب تبليغه وكشفه لفساد عقاري بمنطقة السانية في وهران.

بعد السماع للمتهمين، التمست النيابة العامة ستة أشهر حبس نافذة في حقيهما، ورفع القاضي الجلسة قبل أن تشرع هيئة الدفاع في المرافعة.

قايد صالح .. جزائر الحريات وحقوق الإنسان في مرافعات هيئة الدفاع

مرافعات تاريخية قدّمتها كعادتها لجنة الدفاع عن معتقلي الرأي، استمتع الحضور بالسماع إليها، بين دروس في التاريخ والقانون وحقوق الإنسان والسياسية، الجميع قدّم طرحا مختلفا وتناول القضية من زاوية أخرى، لكنّها تصبّ جلّها في ضرورة احترام القانون وتطبيقه، إلى احترام حرية التعبير والصحافة.

بين من أكّد على أن الملف إهانة حقيقية للهيئة القانونية، ولُفّق في وقت وزمن معيّن حين كان شخصا واحدا يحكم الجزائر (احمد قايد صالح)، وبين من أكّد أنّ قاعات الجلسات باتت روحا بدون عدالة.

القاضي يبتسم تارة عند مرافعات المحامين ويطلب تارة أخرى منهم الاختصار في مرافعاتهم، كما أبلغهم أنّ المداولة ستتم في نفس اليوم.

أنهى أصحاب الجبة السوداء مرافعاتهم بعد حوالي 4 ساعات، رفع القاضي الجلسة وغادر القاعة للمداولة.

سعيد بودور صحفي حرّ !

في هذه الأثناء، تقرّب المحامون والصحفيين من شاشة التلفاز وحيّوا سعيد بودور الذي كان يبتسم وبجانبه نورالدين تونسي هو الآخر يبتسم ويُحيي زوجته.

عاد بعد حوالي نصف ساعة القاضي إلى قاعة الجلسات، الحضور يقفون لسماع النطق بالحكم، بعد دقائق من حبس الأنفاس، سعيد  بودور حرّ !

القاضي نطق بـ شهرين حبس غير نافذة عن تهمة إهانة هيئة نظامية والبراءة من التهم الأخرى في حق الصحفي بودور والمبلغ عن الفساد نورالدين تونسي الذي يبقى في المؤسسة العقابية عن قضية أخرى.

هتافات نضالية خارج أسوار المحكمة ..

خارج أسوار المحكمة أكّدت هيئة الدفاع أنّها ستودع طلب استئناف الحكم.

أصدقاء وزملاء وناشطون يصنعون أجواءً نضالية أمام باب المحكمة ويهتفون “صحافة حرة عدالة مستقلة” و”جزائر حرة ديمقراطية”، و”سعيد بودور صحفي حر”.

في هذه الأثناء طائرة مروحية حلّقت فوق رؤوس المتجمّعين، لا يكترثون وواصلوا في أداء الأناشيد الوطنية والهتافات النضالية…

صورة: حمزة بوحارة