راديو " آمْ "، إعلام في غاية الابداع أصبح إغتياله من أولويات أعمال عمار بلحيمر - Radio M

Radio M

راديو ” آمْ “، إعلام في غاية الابداع أصبح إغتياله من أولويات أعمال عمار بلحيمر

Radio M | 26/05/21 07:05

راديو ” آمْ “، إعلام في غاية الابداع أصبح إغتياله من أولويات أعمال عمار بلحيمر

بقلم القاضي إحسان


نادرًا ما تعرضت وسيلة إعلامية في أوقات السلم المدني لهجمة شرسة من السلطة الحاكمة٠ كيف؟ و لماذا؟

يبث ” راديو آمْ ” على شبكة الإنترنت منذ سبتمبر ٠2013 وقد وُلد المشروع من رحم موقع ” أنتارفاس ميديا ” وهي شركة مساهمة بهدف إطلاق إذاعة خاصة على أمواج ” آفْ آمْ ” وفقًا لقانون سنة 2012  الذي مهّد لانفتاح القطاع السمعي البصري،  وهو مكسب غير مباشر نتيجة الثورات العربية٠  
غالبا ما مالتْ شبكة برامج ” راديو النت ” إلى الطابع العام جدا حتى وإن كانت معالجتها للأخبار الاقتصادية من أولى إهتماماتها، لا سيما أن موقع ” مغرب إمارجون ” متخصصٌ ووسيلة الاعلامية  تصدر عن شركة مساهمة٠

أطلق برنامج سياسيٌ بعنوان ” سِي بِّي بِّي ”  في مطلع سنة 2014  تزامنا مع الحملة الانتخابية الرئاسية وقتها،  وأصبح على مرّ السنين العلامة الأولى المميزة للراديو٠  ومما لاشك فيه أن سمعة وصدى برنامج ” سِي بِّي بِّي ” غطّى على 12 إنتاجا إذاعيا آخر بصيغٍ مختلفةٍ من عمل الراديو،  بما في ذلك مَجَّلات تتناول أخبار المجتمع وحوارات متنوعة عن عالم الفن والأفكار،  وبالطبع مجموعة من برامج حول المال والأعمال والاقتصاد٠
من ماي 2014 إلى ماي 2017،   تَوَعَّدَ وزير الاتصال ” حميد غرين ” مرارًا أمام جمهور ضيق بغلقِ ” راديو آمْ “٠  غير أن أولويته وقتها كانت مضايقة صحف ورقية غطت الحملة المضادة لترشح عبد العزيز بوتفليقة لعهدةٍ رابعة ونقلت جهودا لتوحيد المعارضة في فندق مازافران٠
ثم غضَّ نظام بوتفليقة الطرف عن هذا الفضاء من الحرية غير المكتمل الذي أسسه صحفيون محترفون بصبر و تؤدة٠  ومع ذلك ترنح وكاد أن يتعثر مشوار ” راديو ٱمْ ”  خلال سبتمبر وأكتوبر 2015  بعد مقابلة لافتة للأنظار مع الجنرال المتقاعد حسين بن حديد٠
فقد سُحبتْ شكوى رفعها علي حداد رئيس منتدى رجال الأعمال بعد
توجيه أصابع الاتهام إليه في تلك المقابلة الصحفية٠  ورُمي الجنرال المتقاعد  حسين بن حديد في السجن بأمر من الفريق أحمد قايد صلاح٠
وفي نهاية المطاف لم تُدنْ الإجراءات القضائية إذاعة ” راديو  آمْ ” على الرغم من التماس معلن من المحامين باستدعاء مديرها كشاهد في القضية٠
استطاعت إذاعة ” راديو آمْ ” أن تستمر في تطورها الى غاية 22  فيفري 2019  لما تجاوز عدد المشاهدات فيها عتبة الـ 20 مليونا شملت أكثر من ألف محتوى احترافي مبثوثٌ على قناتها على يوتيوب بالإضافة إلى البث المباشر بالصوت على منصتها الخاصة٠

سابقة منذ عودة السلم المدني

كان من الممكن أن يفقد ” راديو آمْ ” ميزته مقارنة مع باقي الصحافة الوطنية بعد 22  فيفري 2019  فجأة أصبحت وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمواقع الإلكترونية / بما في ذلك الصحافة المطبوعة / قادرة على إنتاج محتويات وتنظيم حلقات نقاشية ونقل الأخبار بحرية بالطريقة والأسلوب الذيْن جعلا من ” راديو آمْ ” ناجحًا بين جماهير الإنترنت٠٠٠

ودخلت إذاعة ” راديو آمْ ” صفوف الحراك وأمواجه الناشئة التواقة للتحرر٠  ولكن سرعان ما أغلق ذلك القوس من الحرية  بدءًا من وسائل الإعلام العمومية ومن بعدها القنوات التلفزيونية الخاصة تلتها في ما بعد الصحافة المطبوعة،  وأخيراً المواقع الإلكترونية٠

وجد ” راديو أم ” نفسه وموقعه الإخباري نفسيْهما مستهدفيْن من بين كل الوسائل الإعلامية من تغطية أحداث الحراك،  الى أوضاع المعتقلين و إلى المبادرات السياسية المعارضة في عهد عبد المجيد تبون٠
أودع المذيع الشهير خالد درارني الحبس في مارس 2020  وعمل مقص الرقابة عمله في الموقعيْن الإخبارييْن في 09 أفريل 2020 ٠ وفتح التهجم الشرس والغير المسبوق على ” راديو  آمْ ” خلال تلك الفترة جبهة لا سابق لها في أي فترةٍ من قبل،  بما في ذلك الأشهر السبعة حينما كان أحمد قايد صالح يسير البلاد مباشرة ويخوض حربا مفتوحة على الحراك الشعبي منذ جوان 2019 ٠

وتوسع الهجوم هذه المرة ليشمل المساهمين في شركة ” آنتارفاس مِيدِيا ” بعد حبس نبيل ملاح العضو بمجلس إدارتها يوم 9 ماي،  ويشغل الرجل أيضا منصب مدير شركة ” ميرينال ”  ثاني مختبر صيدلاني جزائري والراعي الرسمي لبرنامج ” سِي بِّي بِّي “٠  وقد حُبس وفق قضية عبثية لايصدقها عقل اسمها ” البيع بما دون سعر التكلفة” ٠

تلاه الاعتقال الغليظ للصحفية كنزة خطو يوم الجمعة 14 ماي عند تغطيتها الحراك٠  توقيف اتخذ منحى متابعة جزائية بمجرد أن قدمت نفسها كصحفية في ” راديو آمْ “٠  إذْ وضعت لمدة 98 ساعة رهن الحجز للنظر وتسبب لها ذلك في إرهاق شديد أثناء مثولها الفوري أمام المحكمة وهو ما يعد أسوأ معاملة تعرضت لها صحفية محترفة من طرف الشرطة٠

وأخيرًا أعيد تفعيل الشكوى المرفوعة ضد القاضي إحسان بشأن مقال نُشر يوم 23 مارس بالتزامن مع إعتقال الصحفية كنزة خطو،  وأسفر هذا عن فرض الرقابة القضائية على مدير إذاعة ” راديو آمْ “٠  
لم يحدث أن واجهت وسيلة  إعلامية جزائرية مثل هذا القمع منذ استعادة السلم المدني مطلع سنة 2000،  و حادثة سجن محمد بن شيكو وإغلاق ” صحيفة لوماتان ” سنة 2004 ٠

بلحيمر في وضع القوة الصلبة

ذهب عمار بلحيمر وزير الاتصال في حملته  ضد ” راديو آمْ ”  أبعد بكثير من هجوم حميد غرين على ما تبقى من الصحف المستقلة وهي من مكاسب الانفتاح السياسي بعد عام 1988 ٠  إذ كرس طاقة جبارة لمدة 16 شهرًا منذ توليه منصبه،  وضاعف تصريحاته المناهضة  ” لراديو آمْ  و مغرب إيمارجونْ “٠  
وتحدث بطريقة تشهيريةٍ عن ” تمويلٍ خارجي ” وراء إنشاء الراديو٠  كما طلب حجب المَوْقِعَيْنِ عن الجمهور الجزائري وبرر تصرفه علانية٠  وتقدم بشكويين لدى العدالة ضد ” القاضي إحسان مدير المنصة “٠   وحاول أكثر من مرة تبرير الإدانة المشينة للصحفي خالد درارني مدعيا أنه لا يحوز على بطاقة صحفي٠ بل تقمص صفة ” المدعي العام ” وهو الطرف المدني الوحيد المخول قانونا بموجب قانون المصالحة الوطنية لعام 2005 “،  وهذا حتى يُضيف على شكواه أبعادا مثيرة٠
اتخذ الوزير عمار بلحيمر مضايقة ” راديو آمْ ” ومديرها إهتمامه اليومي٠  ولم يسبق في تاريخ الجمهورية مثل هذا التحامل العدواني الشخصي من وزير للاتصال على فاعلين في قطاعه٠  وإذا تراجع الوزير لأن سلطات الدولة لم تمايره في هوسه المتمثل في إخراس ” راديو آمْ “،  فإنه يعاود الكرة ثانية بمجرد أن يرى الوضع السياسي مواتيًا،  كما هو الحال في الآونة الأخيرة مع قرار المجلس الأعلى للأمن قمع الحراك وتصنيف كل من ” الماك و “رشاد ” ضمن المنظمات الارهابية،  أو عندما تناهى إلى سمعه أن المديرية العامة للأمن الوطني قررت وضع الصحفية كنزة خطو من إذاعة ” راديو  آمْ ” رهن الحجز للنضر٠

يمهد نظام تبون لحجب الحراك عن العالم،  ويحلم وزير الاتصال بالضغط على زر إطفاء ” راديو آم “٠  ولا تهم الوسائل المستخدمة هنا٠  فإذا بدا تَخَافُتُ تهمة ” التمويل الخارجي ” سيصبح الهجوم على حاملي الأسهم هو الأسلوب البديل٠

الأسلوب المنتهج في قضية القاضي إحسان هو ذاته المستخدم ضد نبيل الملاح٠  فالوزير الوصي عن الصناعة الصيدلانية لطفي بن أحمد هو الذي رفع شكوى في قضية لا أصل لها، اسمها ” البيع دون سعر التكلفة “٠  شكوى من طرف رئيسي في القطاع الصيدلاني من المفترض أن تطوره الوزارة وتروج له٠

على هذا المنهاج المهوس،  يصبح فيه الأساسي ظرفيا،  و الظرفي أساسيا٠  فصادرات ” ميرينال ” البالغة 120 مليون أورو ليست شيئا يُذكر أمام الرغبة الجامحة في وَأْدِ وسيلة إعلامية٠
فالشكوى الأولى ضد القاضي إحسان المتعلقة بمقاله ” 100 يوم لــ عبد المجيد تبون ”  لم تمض إلى نهايتها٠  وأما الثانية فقد صادفت وقتا مناسبا لما تعلق الأمر بشيطنة ” رشاد ” ٠

يجب فعل كل شيء لاستكمال عملية الهدم التي بدأت منذ أيامه الأولى في الوزارة٠ عمار بلحيمر ميالٌ عن الحديث على القوة الناعمة الاتية من الغرب والتي خبرها جيدًا وظهر في العديد من المرات للإجابة على مسائل متعلقة بالمنظمات غير الحكومية الدولية الموجودة في الجزائر التي يعتبرها اليوم معادية للجزائر٠

فما الذي فعله من أجل الترويج لصورة مشرقة على بلده؟  
تلك الصورة المشرقة والمرحب بها سنة 2019  بفضل سلمية الحرك٠  فهو لجأ إلى ” القوة الناعمة ” لبث رسالة بين  السلطات المدنية والعسكرية  لتتحول وسيلة إعلامية صغيرة ” اسمها راديو آمْ ” مع صحفييها المبدعين الى لاعبين رئيسيين في ” المؤامرة الإعلامية ” وهذا كله في ظرف سنة٠  وهذا ما لم يتجرأ عليه حكم بوتفليقة البائد منذ سنة 2013 إلى غاية 2019 ٠

إن المنصة الرقمية لــ ” راديو آمْ / مغرب إيمارجون ”  مرتبطة بشراكة مع ” وكالة علاقات عامة ” التي تجمع بين اختصاصات القطاع ولديها جميع المؤهلات الأساسية للخروج وإعادة بعث القطاع عبر رأس مال خاص ونضيف،  ورقم أعمال مريح٠ ولكن ليس مع حكومة ورئاسة وأمنيين مقتنعين بضرورة القضاء على ما تسامح معه نظام بوتفليقة وقايد صالح٠

مصير ” راديو آمْ ” مؤشرٌ على وضعية الحريات

مستقبل ” راديو آمْ ” على المحك وهو في وضع المتشبث بالحياة٠  إذْ تتفاوض الشركة الناشرة مع إدارة الضرائب من أجل رسم رزنامة زمنية لتسديد ما أعيد تقييمه من ضرائب على مدى السنوات المالية الفارطة٠ والتي سَتُحَدِّدُ نتائجها بلا شك مستقبل ” أنتارفاس ميديا شركة ذات أسهم ” ٠
المساهمون في الشركة يملكون بالطبع الوسائل المالية لدعم نشاطها٠  ولكن الضغط ازداد إلى حد أنهم مضطرون في التفكير في مدى التزامهم على المدى المتوسط،  خاصة بعد المصير الذي واجهه نبيل ملاح٠

تتم دراسة تقنية لتمويل من خلال جلب مستثمرين إلى رأس مال الشركة من المتابعين المخلصين لــ ” راديو آمْ ” الراغبين في الذود عن حرية الصحافة٠
في مثل الحالة الراهنة للحصار الغير المعلن،  سيتم بلا أدنى شك منع هذه الخطوة،  ولكن خارج هذا السياق،  وفي حالة تخفيف القبضة الأمنية مع قدوم حكومة جديدة بعد الانتخابات التشريعية،  يبقى الإجراء المحتمل وسيلة جادة قابلة للنظر في جانبها المبتكر والشفاف والديمقراطي٠

ستناقش الجمعية العامة الغير العادية للمساهمين هذا الموضوع في اجتماعها السنوي العادي شهر جوان من هذا العام٠  وهي مرحلة حاسمة في مسار الحريات،  نعيشها في عهدة عبد المجيد تبون التي ستدوم خمس سنوات٠

ما سيؤول اليه مصير ” راديو آمْ ” أصبح بمثابة المؤشر المهم  و” الفضل ” يعود الى التحامل الشخصي لوزير الاتصالات٠  
في انتظار ما سَيُسْفَرُ عنه ذلك،  سيواصل فريق ” راديو الويب ” عمله باحترافية وتلك هي متطلبات الساعة٠  و يتعين على هذه الوسيلة الإعلامية تغطية محاكمة الصحفية كنزة خطو يوم الثلاثاء 25 ماي الجاري،  ومتابعة قضية القاضي إحسان و نبيل ملاح٠ و ستتواصل تغطية المتابعات القضائية المفتوحة في حق عشرات الجزائريين منذ بداية أفريل الماضي،  وتغطية أحداث الحياة السياسية الأخرى في البلاد التي يُفترض أنها تخوض حملة الانتخابات التشريعية٠

ستظل المحتويات الاقتصادية والمَجَّلات الإذاعية التي تتناول أخبار المجتمع والصيغ المخصصة لـ ” للمغرب الكبير ” و لتوجهات وسائل التواصل الاجتماعي وتغطية الأحداث الراهنة لتؤكد على انفتاح برامجها وتنوعها٠
سيقاوم ” راديو آمْ ” محاولة تشويه سمعته وسيواصل فتح منصته الهوائية لجميع الحساسيات والأفكار بما في ذلك مؤيدي المشاركة في إنتخابات 12 جوان المقبل ورؤساء المؤسسات المقربون من الحكومة ورجال الدولة الذين مارسوا السلطة وأصبحوا اليوم أحرارٌ في التعبير عن آرائهم مرة أخرى٠

إن نموذج العمل الجديد لوسائل الإعلام الإلكترونية المبتكرة في متناول منصة ” راديو آمْ  و مغرب إمارجون “٠  ويمكنه أن يكون أيضا مثالاً يحتذى لقطاعات الإعلام الجديدة بكاملها٠  هذا القطاع الذين يتحكم في إكسجينه شيوخ الحكم الاستبدادي اليوم٠

سوف ينجح هذا النموذج يومًا ما وسَتُشِّعُ ” قوته الناعمة ” من الجزائر إلى العالم بالقيم الإنسانية السلمية والتسامح التي أظهرها الجزائريون منذ فيفري 2019