مساهمة: "أمنيستي" تيزي وزو: 10 سنوات من النشاط من أجل حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية - Radio M

Radio M

مساهمة: “أمنيستي” تيزي وزو: 10 سنوات من النشاط من أجل حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية

Radio M | 07/09/22 12:09

مساهمة: “أمنيستي” تيزي وزو: 10 سنوات من النشاط من أجل حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية

تمر هذا العام عشر سنوات منذ تأسيس مجموعة منظمة العفو الدولية “أمنيستي” في تيزي وزو، والتي تعد واحدة من أبرز المجموعات في الفرع الجزائري وذلك من حيث عدد النشاطات التي قامت بها، وعدد مناضليها الذين كثيرا ما كانوا الخزان الذي يجد فيه الفرع الجزائري للمنظمة إطاراته.

هذه المجموعة، التي أطلقت رسميا في شهر أوت 2012 بدار حقوق الإنسان والمواطن بتيزي وزو، ليست أول مجموعة لمنظمة العفو الدولية في تيزي وزو، فسبق وأن تم انشاء مجموعة سابقا وهذا مع إطلاق الفرع الجزائري للمنظمة في 1990 وذلك بعد فتح المجال لإنشاء الأحزاب والجمعيات في الجزائر. كما سبق وأن تم تنظيم ثاني مؤتمر للفرع الجزائري لمنظمة العفو الدولية في تيزي وزو، وهذا بحضور “بيير ساني”[i] رئيس منظمة العفو الدولية آنذاك، كي تختفي بعد ذلك المجموعة الأولى ل”أمنيستي”  تيزي وزو سنوات بعد ذلك. المجموعة تمت إعادة بعثها في 2012 لكن تلك القطيعة الموجودة بين أجيال المناضلين منع من وجود تواصل بين فاعلي المجموعتين الأولى والثانية التي خلفتها، ومع غياب الأرشيف لسبب أو لآخر، فبالتالي ما قمنا به في 2012 هو إنشاء مجموعة جديدة منطلقين من الصفر وإعادة بناء كل شيء.

فكرة تأسيس المجموعة تعود إلى لقاء وطني نظمه الفرع الجزائري لمنظمة العفو الدولية في ديسمبر2011، بعنوان “فوروم الشباب المدافع عن حقوق الإنسان” جمع مناضلين حقوقيين وجمعويين من مختلف مناطق الوطن للحديث حول حقوق الإنسان، ومن بين المشاركين  من تيزي وزو كل من محمد أمزيان بشطرزي منسق لجنة مساندة مليك مجنون، والذي أصبح منسق مجموعة “أمنيستي” تيزي وزو بعد تأسيسها، أنا آنذاك كعضو بدار حقوق الإنسان والمواطن في تيزي وزو وقد أصبحت نائب منسق المجموعة، وعمر أيت سليماني عضو الجمعية الثقافية “ثيموزغا” والذي أصبح منسق خلية الشباب في تيزي وزو، وفيما بعد أمينا وطنيا للفرع الجزائري لمنظمة العفو الدولية ثم عضو لجنة حل النزاعات، وإذ استمرت المجموعة وبلغت هذه الدرجة التي بلغتها اليوم، فالفضل يعود له.   

للتذكير، مليك مجنون الذي كان متابعا في قضية مقتل الفنان لوناس معطوب وبقي في السجن طيلة 11 سنة دون محاكمة، وقد تبنته منظمة العفو الدولية ونددت باعتقاله وما تعرض له وطالبت بحقه في الخضوع لمحاكمة عادلة، انخرط بعد مغادرته السجن في ماي 2012، في المنظمة وأصبح عضوا فعالا فيها. مثله مثل أرزقي عبوط قبله، معتقل في الربيع الأمازيغي في 1980 ومعتقل في 1985 مع زملائه من الأعضاء المؤسسين للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان في نفس السنة، والذي تبنته في كلتا القضيتين منظمة العفو الدولية ودافعت عنه، كي يكون من الأوائل الذين ساهموا في تأسيس الفرع الجزائري لمنظمة العفو الدولية مباشرة بعد إطلاق فرعها في الجزائر في 1990. المعتقلان السياسيان السابق ذكرهما كثيرا ما قدما شهادات، حول نجاعة ضغط المنظمة بحديثها عن اعتقالهما عبر بياناتها وتقاريرها، كثيرا ما تحدثا أيضا عن تأثير الرسائل التي تصلهما وتصل عائلتيهما أثناء فترة تواجدهما بالسجن.

تم إطلاق مجموعة أمنيستي تيزي وزو بتاريخ 27 أوت 2012 في دار حقوق الإنسان والمواطن تيزي وزو، لقاء عرف اهتماما من طرف الصحافة آنذاك قلما تحضا بمثيله اللقاءات والنشاطات الجمعوية، وهذا راجع لنظرة المجتمع بصفة عامة لمنظمة العفو الدولية ولما كان مرجوا منها.

فإضافة لكون منظمة العفو الدولية التي أطلقها المحامي البريطاني “بيتر بينينسون” عام 1961 وذلك من أجل خوض حملة دولية لإطلاق سراح طالبين برتغاليين تم اعتقالهما بسبب رفعهما في مقهى ل”نخب الحرية”، منظمة محترمة وذات وزن وتأثير على الصعيد الدولي، وما انخراط كل من الاسمين السالف ذكرهما في المنظمة بعد مغادرتهما السجن ما هو إلا دليل على فعالية عملها، فالحريات وحقوق الإنسان مما لا يزال الجزائري يبحث عنه.

“لا وجود لحقوق الإنسان بالجزائر” هي العبارة التي كثيرا ما يتكرر ترديدها على مسامعنا من طرف مواطنين أثناء تنظيمنا لنشاطات كجمع التوقيعات للعرائض، تنظيم محاضرات أو ندوات، تحدثنا فيها عن حقوق الإنسان. لكن، إذا كان لا وجود لحقوق الإنسان بالجزائر، فبالتالي وجب علينا العمل من أجل أن نجعل هذه الحقوق حقيقة، حتى ولو كان النشاط الجمعوي ليس بالقديم عندنا، وأفكار مثل حقوق الإنسان ليست بالمتجذرة عندنا، هذا ما يجعل المهمة شيء ليس بالهين.

منذ بداية الإهتمام بتشكيل جمعيات للدفاع عن حقوق الإنسان في الجزائر، كثيرا ما كنا نربط نضالاتنا من أجل الحقوق والحريات بما قدمناه من تضحيات في سبيل تلك القضية، لا بما حققناه من نتائج. وحتى حين نتحدث عن التضحيات، فإننا لا نعرف منها سوى عدد السنوات التي تقضى في السجن والتعذيب الذي يترك آثارا في الأجساد أو المتابعات والمضايقات القضائية. في حين يمكن أن تكون هذه التضحيات حين يختار الالتزام بتلك القضية، هي سنوات من عمر الفرد يمنحها لها في صمت، وحتى ولو دون أن يتعرض له أحد.

طيلة هذه العشر سنوات، جل الأعضاء الذين نشطوا في مجموعة  منظمة العفو الدولية تيزي وزو هم شباب وطلبة دون عمر 25 سنة. إذا كان هؤلاء الشباب هو مصدر قوة المجموعة وذلك بحيويته واندفاعه وإبداعه، فهو أيضا مصدر ضعفها. فالشباب في هذه المرحلة من حياتهم ليسوا مرتاحين ماديا واجتماعيا، إضافة لكون أعضاء المجموعة من الطلبة دائما ما يغادرون بعد تخرجهم وينصرفون لحياتهم الشخصية، وانتقالهم للحياة العملية أو هجرتهم للخارج، خصوصا مع بروز ظاهرة هجرة المتخرجين الجدد في هذه الولاية بقوة مؤخرا بحثا عن مستقبل أفضل، فكل من: موح، حمامة، مراد، محند، أكسيل، أمال، إيدير، جوبة، مزيان، صارة… وآخرون عرفتهم في المجموعة وهم الآن موجودون تحت سموات أخرى، وهذا للأسف ما ينعكس سلبا ليس فقط على مجرد مجموعة لجمعية بل على المجتمع بصفة عامة. فبالتالي يتجدد أعضاء المجموعة دوما، الشيء الذي يؤدي لضياع تجربة الذين رحلوا ويتطلب إعادة تكوين الأعضاء الجدد في كل مرة.

تختلف منظمة العفو الدولية عن غيرها من المنظمات، سواء في هيكلها التنظيمي أو في طريقة نشاطها وعملها أو في اهتماماتها. فهي تتكون من أمانة دولية مكتبها لندن ومكاتب جهوية، تتولى إصدار البيانات والتقارير السنوية، فالفروع الموجودة في كل دولة، وفي كل فرع مجموعات. كما أن المنتمين للمنظمة منقسمون لقسمين رئيسيين: الموظفون، وهم الذين يقومون بعمل تقني يتقاضون أجرا عليه، والمناضلون الذين يقومون بمختلف النشاطات ويدفعون اشتراكات سنوية.

أما فيما يخص طريقة العمل، فبدلا من أن يقوم أعضاء منظمة العفو الدولية الموجودون في الجزائر مثلا بنشاطات للدفاع عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في الجزائر، فإنهم يقومون بدلا من ذلك بنشاطات للدفاع عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في دول أخرى، في حين يقوم مناضلون بفروع أخرى للمنظمة في العالم من جانبهم بالدفاع عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في الجزائر. وهذا إضافة لكونه يحمي المناضلين من التعرض للقمع بدورهم بسبب دفاعهم عن الضحايا، فإنه يعزز ويخلق تعاونا دوليا بين الأفراد والمجموعات من أجل حقوق الإنسان.

كون هذا جديدا وغير معهود عندنا، إضافة لكوننا لم نتعلم بعد ما هي حقوق الإنسان وما هي الجمعية وما هو دورها في المجتمع وعملها، فكثيرا ما كان يصعب على المواطنين بداية من المترشحين للإنخراط في المجموعة فهم كيف يمكن للمجموعة أن تعمل من أجل مساندة ضحايا حقوق الإنسان وجمع التوقيعات لعرائض دعم لمعتقلين وضحايا انتهاكات في الشرق الأوسط أو وسط أفريقيا أو أمريكا اللاتينية، في حين تتجنب العمل أو التنديد بالانتهاكات التي تحدث تحت مرأى أعينهم، لماذا تغلب الدبلوماسية بدلا من المواجهة مع منتهكي حقوق الإنسان، دون الحديث حتى عن جدوى ومدى تأثير كتابة رسالة لمعتقل أو توقيع عريضة. كل هذا وما ينتج منه كثيرا ما كان ولا يزال مصدر نقاش داخل المنظمة ومجموعاتها. في الجزائر مثلا، مباشرة بعد تأسيسه، عرف الفرع الجزائري لمنظمة العفو الدولية عديد الاستقالات الجماعية للمناضلين. بداية مع اغتيال الرئيس محمد بوضياف حتى استقال مناضلون بالفرع لأنهم عكس مبدأ المنظمة المناهض لعقوبة الإعدام، هم كانوا يريدون إعدام قاتل بوضياف، ثم استقالة جماعية أخرى وذلك بسبب تحدث تقارير المنظمة عن “حركة معارضة سياسية” في وصفها للإسلاميين المسلحين آنذاك.

“ماذا تستفيد مما تقوم به؟” هو سؤال كثيرا ما تكرر سماعه أيضا أثناء هذه العشر سنوات حين نتحدث مع المواطنين عنا وعما نقوم به وندعوهم للمساهمة معنا. يوجد من ينفي تحقيق أي مصلحة شخصية للفرد أثناء نشاطه من أجل حقوق الإنسان مكتفيا بالقول أن أجر حقوق الإنسان هي حقوق الإنسان، لكني أعتقد أن الفرد يمكنه تحقيق مصالح شخصية أثناء نشاطه من أجل حقوق الإنسان، وهذا دون أن يكون في ذلك انتهازية ودون أن ينقص من نضاله شيء.

فقبل كل شيء، حقوق الإنسان ليست مجرد مفاهيم وقيم بل هي حقوق وحريات الفرد معني بها ويلمسها في حياته اليومية، ويتأثر بوجودها أو غيابها هو والمجتمع الذي يعيش فيه.  مثلا، حرية الصحافة ليست حرية تخص فئة الصحفيين دون غيرهم من المواطنين والدفاع عنها ليس دفاعا عن مجرد أفكار ومفاهيم، بل حرية تعني جميع المواطنين واحترامها وضمانها هو ما يمنح المواطن حقه في الحصول على المعلومة حول ما يحدث حوله من أجل تغييره للأفضل، ويمكنه من إسماع صوته ونقل انشغالاته سواء كانت في المجال الاجتماعي والاقتصادي أو الثقافي والسياسي.

هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى فانخراط الفرد في جمعية –أيا كانت- سيمنحه إضافة لتحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها تلك الجمعية، إمكانية تحقيق ذاته وذلك بإحساسه بانتمائه للمجتمع بشكل إيجابي وذلك بإضافة مساهمته فيه، مهما كانت بسيطة، من أجل تحسين وتطوير واقع ذلك المجتمع الذي ينتمي إليه. شخصيا، إضافة لما تعلمته طيلة هذه التجربة، فقد تعرفت على رجال ونساء تعلمت منهم الكثير وأعتز كثيرا بمعرفتهم وصداقتهم.

ماجيد صراح


  بيير ساني موظف دولي سينيغالي من مواليد 1949. كان الأمين العام لمنظمة العفو الدولية من 1992 إلى 2001، ثم شغل منصب النائب العام للعلوم الإنسانية والاجتماعية لليونيسكو في باريس من 2001 إلى 2010.