مسيرة 14 جوان 2001، هي محطة مهمة في تاريخ القمع البوليسي عندنا. هي محطة تلخص لوحدها عدم اهتمام المسؤولين الجزائريين بالوحدة الوطنية ومدى استغلالهم الفاحش لهذا المصطلح.
14 جوان 2001 ، حوالي الساعة العاشرة صباحا. ساحة أول ماي إمتلأت بالمتظاهرين الأوائل الذين وصلوا إلى العاصمة من مختلف قرى وبلديات منطقة القبائل. الطريق الرابط والجسور الرابطة بين شرق العاصمة ووسطها لم تتوقف ممتلئة أيضا.
كل شيئ كان يوحي العرس بين أبناء الشعب الجزائري. يوم شديد الحرارة، العاصميون لم يبخلوا على ضيوفهم بقارورات المياه، وحتى قارورات الخل لمساعدتهم على امتصاص مفعول القنابل المسيلة للدموع التي بدأ أعوان الأمن يطلقونها على المتظاهرين.
تدريجيا ارتفعت وتيرة القمع وزاد تضييق أعوان الأمن على كل المنافذ هنا في « لي غربوب » أو المجموعات أو لست أدري ما هي الترجمة الصحيحة لتسمية الحي المقسم إلى مجموعة عمارات مفصولة عن بعضها بممرات تربط الشارعين الرئيسيين هنا في ميدان المناورات، أو « شون دو مانوفر » في مدخل بلدية سيدي أمحمد.
سكان « لي غروب » إذن لم يترددوا في فتح بيوتهم لاستقبال التائهين الذين كانوا يبحثون عن ملجأ هروبا من عصا القمع. وكل هذه الصور شاهدتها وأنا فخور بأبناء بلدي ومطمئن على وحدة هذا الشعب، تماما مثلما طمأنتني تلك الصور الأخوية التي رسمتها مسيرات الجمعة طيلة ثلاث سنوات قبل أن تفسدها آلة القمع وأنصار المقاربة الأمنية لتسيير الحياة العامة الجزائريين.
فجأة اكتشفت بعيدا عن ساحة أول ماي ومجموعاتها السكنية، أن اللحمة الوطنية تلقت أبشع طعنة في الظهر. وأبطال هذه الطعنة هم من يرددون على مسامعنا خطابات الوحدة الوطنية على مدى 40 سنة (كنا مع موعد الاحتفال بالذكرى ال39 للاستقلال). مسؤولين في جهاز الشرطة تعودوا على تسيير الحشود في الملاعب وفي المظاهرات السياسية والاجتماعية… يطلقون نداءات للعاصميين حتى يساعدوهم على الدفاع عن العاصمة.
سمعت آنذاك أخبار عن قتلى تم إلقائهم في وادي الحراش. سألت منظمي المسيرة من حركة العروش وسألت قيادات الافافاس والارسيدي بعد أسابيع وأشهر وسنوات، إن سجلوا حالات وفاة في تلك الأحداث. فكان الجواب في كل مرة بالنفي.
الضحية الوحيدة المعروفة هي الصحفية فضيلة نجمة زميلها المصور عادل، لا أتذكر لقبه، دحستهما حافلة أمام مستودع شركة النقل الحصري، « إيتوزا ». وتكون الجزائر بهذا الحادث البلد الوحيد الذي يموت فيه الصحفيون أثناء تأدية مهامهم في وقت السلم، بينما مات عشرات منهم تحت رصاصات الإرهاب.
وفي المساء تجند التلفزيون العمومي لتحميل مسؤولية تحول مسيرة سلمية إلى مواجهة دامية، للمتظاهرين. أما الحكومة فلم تجد شيئا تفعله سوى إصدار تعليمة تمنع المسيرات في العاصمة، كأن هذه العاصمة يسكنها بشر وباقي مناطق الوطن يسكنها الهمج. طرح إستنكرته في الصباح الموالي الصحافة المستقلة، بينما سارت عناوين أخرى في خط الخطاب العنصري الذي جعل العاصمة ضحية هجوم القبائل عليها.
كانت هذه الأحداث إذن بمثابة حجر الأساس لميلاد الخطاب الاستعلائي العنصري ضد المواطنين، واستمرت السلطة في استخدامه لمنع أي انتفاضة شعبية كفيلة بتغيير نظام الحكم وأساليبه في هذا البلد.
م. إيوانوغن