تدور ثلاث مبادرات حزبية في الساحة السياسية حاليا، في وقت لم يحضر الرئيس عبد المجيد تبون حتى نهائي كأس الكاف بملعب 05 جويلية بالعاصمة
أول لقب دولي نقلته الكرة الجزائرية، هي الميدالية الذهبية لسنة 1975 وحضر الرئيس هواري بومدين المقابلة كاملة. وبينما عودنا الشادلي بن جديد على الحضور إلى 05 جويلية في الشوط الثاني من مختلف النهائيات التي أشرف عليها، فكان بوتفليقة يحضر إلى الملعب قبل انطلاق اللقاء وينزل إلى أرضية الميدان ويحيى الأنصار وكاميرات التلفزيون تبرز تلاحم الرئيس مع الجمهور، بغض النظر إن كان هذا التلاحم حقيقي ومزيف
وغاب بوتفليقة عن الملاعب في السنوات الأخيرة من حكمه بسبب المرض. واستمر غياب الرئيس عن ملاعب كرة القدم في عهد عبد المجيد تبون، باستثناء افتتاحه العاب البحر الأبيض المتوسط وكذا افتتاح ملعب نيلسون مانديلا بمناسبة كأس أمم إفريقيا للمحليين، ليغيب مجددا عن نهائي كأس الكاف الذي عرف تتويج نادي إتحاد العاصمة
لماذا يتجنب تبون إذن لقاء الجمهور حتى عندما تكون الفرصة مواتية وشبه إجبارية؟ الجواب صعب، وفي وقت تجتهد عديد الأحزاب والجمعيات لتشكيل تحالف لمساندته، يفضل تبون استقبال حزب آخر أو شخصية أخرى. وهو ماحصل مع مبادرة حزب عبد القادر بن قرينة، الذي استقبل أحزاب ووجوه من المنظمات المتعودة على تشكيل لجان مساندة الحاكم، أي كانت هويته، وظهر تبون في اليوم الموالي في جلسة استقبال لرئيس حركة مجتمع السلم المنتخب حديثا والذي لم يحضر اجتماع حركة البناء الوطني
ويعتبر غياب حمس إلى جانب الأفافاس، الحاضر افتتاح مؤتمر البناء، مؤشر كافي على أن مبادرة بن قرينة ولدت ميتة. فقد اقتصر الحضور على الأحزاب التي لها حقيبة وزارية أو حقيبتين وتلك التي تمثل رموز النظام الذي تسميه « الجزائر الجديدة » بنظام للعاصمة وزعماء هذه الأحزاب كلها في السجون، مثل عمار غول وجمال ولد عباس وأحمد أويحيى
المؤشر الآخر على فشل مبادرة بن قرينة مسبقا، هو وجود الأفالان ممثلا بأبو الفضل بعجي. ويؤكد هذا أن الأمين الجديد للأفالان لا يحمل مواصفات تزعم حزب حاكم منذ الاستقلال. فلم يقتدي بعجي بعبد الحميد مهري، حين استطاع أن ينتقل بالافلان من حزب السلطة إلى حزب ريادي في المعارضة واستطاع بذلك أن يمتص العقاب الشعبي المعبر عنه في انتخابات 91. كما لم يقتد ببلخادم ولا حتى بمعاذ بوشارب الذي ظهر في ثوب قائد تحالف يضم أويحيى وغول وعمارة بن يونس… لمساندة العهدة الخامسة قبل سقوطها
أن يظهر زعيم حزب هو رمز النظام القائم في الجزائر منذ الاستقلال، تحت عباءة حزب خسر رئيسه الانتخابات الرئاسية في 2019 وخطابه المعادي لجزء من الشعب الجزائري أثار الكثير من الجدل، فهذا يعيد الواجهة التساؤل حول مستقبل بعجي على راس الأفالان، بل حول مستقبل الأفالان نفسه، في غياب شخصية سياسية قادرة على منحه عذرية جديدة
بقي لمبادرة بن قرينة إذن حل واحد للنجاح هو اتفاق أطرافه من الآن على مرشح واحد للانتخابات الرئاسية القادمة، نظرا لاستحالة أن يقتنع تبون بمبادرة يقودها الارندي وتاج والبناء ونور الدين ختال…
أما المبادرة الثانية، أو مبادرة الافافاس، فهي أيضا تواجه الانسداد، كون قيادة الحزب وفية لموقفها الداعي لحوار سياسي يضم السلطة والمعارضة. وهو هدف بعيد المنال كون السلطة ترفض الاجتماع مع المعارضة، وحين تقبل ذلك فتنظم بنفسها جولات الحوار ولا تترك المبادرة للافافاس أو غيره من الأحزاب. فالمناسبة الوحيدة التي كانت فيها فرص تجسيد موقف الافافاس في الواقع، قائمة، هي مناسبة عقد سانت إيحيديو. حينها كان الافالان، رغم ابتعاده عن الجهاز التنفيذي، قريب من دوائر السلطة ومهري كان يمثل جزء من هذه الدوائر في مواجهة دوائر أخرى
اليوم تغير المشهد السياسي وتحركت الخطوط على مستوى دوائر السلطة، خاصة منذ حراك 22 فيفري. فلم يعد هناك حزب واحد يسعى للتكيف مع نظام اعلمي جديد من خلال فتح مجال التعددية دون التنازل عن السلطة. بل المشهد السياسي اليوم يشكله تيار إسلامي عروبي يسعى للانفراد بالسلطة. ولتحقيق ذلك يسعى هذا التيار لاستمالة حزبين يعتبرهما خصمين له، لكنهما كفيلين بتحقيق التوازن الجهوي والايديولوجي الضروريين للديمومة في الحكم. وفي المقابل هناك تيار حداثي يؤمن بالتعددية السياسية والثقافية واللغوية… للمجتمع الجزائري
وبين التيارين، يواجه الافافاس، مثل الافالان، خطر الزوال كون التيار الأول معادي لقيم نوفمبر الحقيقية وكثير من قادة الثورة التحريرية « خونة » حسب هذا التيار، ما يجعل نجاحه مصدر خطر حليفيه الظرفيين اللذين يبحث عن استمالتهما. من جهة أخرى يرفض الافافاس التحالف مع الأحزاب أو التيار الحداثي، لاقتناعه أن السلطة سترفض أي مبادرة في هذا الاتجاه، وتجربة ال »باد » أو تكتل البديل الديمقراطي ليست بعيدة عنا، حيث انسحب منها الافافاس ووصف الفاعلين فيها ب »المغامرين ». وما زال الافافاس يرفض الاستجابة لمبادرات الأحزاب الدينقراطية، حيث دعاه الارسيدي للتشاور ضمن مشاوراته التي أجراها لحد الساعة مع حزب العمال والاتحاد من أجل العدالة والرقي، دون أن ترد قيادة الافافاس عن الدعوة
وبخصوص مبادرة الثلاثي، « الارسدي- حزب العمال-الاتحاد من أجل التغيير والرقي »، فهي تواجه المقاطعة الإعلامية ومنع السلطة الترخيص باي اجتماع عمومي لنشطائها لحد الساعة. وحتى إن سمحت للارسيدي بعقد مؤتمر تنظيمه الشبابي ورخصت لتجمع نشطه رئيسه عثمان معزوز في تمنراست، فقد منعت اجتماعات أخرى لنفس الحزب ولنفس التكتل الذي يجد نفسه دائما مضطرا للاجتماع في مقرات أحد الأحزاب المشاركة فيه.
محمد أ
